عزيف الرمل - مجموعة قصصية - القاص المغربي عبد الحميد المغربي




" عزيف الرمل" للكاتب عبد الحميد الغرباوي
والقصّة الحالمة
عِذاب الركابي
. " عزيف الرمل" أوركسترا كلمات لا تبارى !
قصّص حالمة ، لكاتبٍ مثابر ، يستعذب الكتابة – المغامرة ، وهو يعطي كلّ السلطة للكلمات ، وكل الحرية للمبادرة والفعل لأصابعه ، وهي تنحت لا تكتب ، وتعزف ، وتصوّر أيضا ، لتصبح (كل كلمة رحم لخصب جديد) – كما يعبّر أدونيس .. وتقرأ – لحظتها- القصة القصيرة بشروط الفسيفساء الإبداعية ، يتوّجها فضاء بهيج ، خليط من الشعر ، والرسم ، والتشكيل ، والموسيقا ، والمسرح .. وأنها (تجربة ممتعة أن تضع كل شيء معا، مثل لوحة كولاج دادائية) – كما يقول أورهان باموك .. ومن هذا المزيج الرائع المموسق بالخيال الطازج المنتج والواقع معا .. وبتفاصيل كل ما هو جميل وموحٍ ، لتكون القصّة حياة و( لا يمكن أن نتخيل الأدب شيئا آخر غير الحياة ، كل الحياة) – بتعبير لوكليزيو.
والقصة القصيرة لدى الكاتب عبد الحميد الغرباوي حياة !! المتخيل فيها يسمو بجماله ، وإيحائه التعبيري على بريق أبجدية الواقع.
." ليس صديقا ولا جارا ، ولا حتى وجها أصادفه بين الحين والحين الآخر" – المجموعة ص13 ..!!
القصة – الحلم .. والواقع – الحلم ، وعلى طريقة كافكا يتم ( صهر الحلم بالواقع) ، حيث تبحث الذات عن ذاتها فوق ضفة واقع يغمرها الضباب ، يطول الطريق أو يبتعد ، تضمر الخطوات أو تتلاشى ، المهم أن تستعيد الذات كينونتها .. يقظتها العسيرة في كون هي داخله وخارجه في الآن .. هي من نسيجه ، وتسخط على كيمياء تفاصيله في وقت واحد :
( حتى أن الصوت الذي يتكلم بداخلي ، هو طبق الأصل صوتي) – ص14.
. مع سرد عبد الحميد الغرباوي تجد نفسك تثق بالقاص والقصة معا ، وليس في القصة وحدها ، كما ينظر جراهم هيو ، حيث تتجسد فكرة ( الكاتب هو نصه) ، بريشة الحلم المتلأليء الذي لم يتخل الكاتب عنه ، وهو بحبر الحضور الصاخب الذي لايصير غياباً جارحاً ، حيث تقرأ القصة بتفعيلات قصيدة متمردة ، او موسيقا سطت إيقاعاتها على زرقة الموج لبحر نائم في أحضان طبيعة مخملية ، أو لوحة تشكيلية ، شكلت فسيفساءها الباهرة نوبات الألم في الانجذاب إلى معرفة الشيء واللاشيء ، والمكان واللامكان ، حيث تتاعشق وتتجاوب كل هذه الفنون في قصص – الغرباوي ، كما تجاوبت العطور والألوان والأصوات في سوناتات "بودلير" و" رامبو"..!!
: ( وحدي أنا الآن !! الطريق مظلم حالك ، أتعثر ، لا أعرف كيف ، ولا أهتم .. الطريق على ما يبدو يقود إلى أي مكان ولا مكان .. ليس ثمة ضوء يرشدني) – ص21.
. وإذا ما صدق أندريه مالرو في قوله ( إن الأدب يمجموعه متخيل) ، فأن القصة القصيرة وهي تسطو على أثواب القصيدة ، وتأتي على مقاسها برؤى الكاتب عبد الحميد الغرباوي ، لتتوج في مملكة الخيال الذي يصبح وفق سلطة الكلمات والسرد المثير ( واقعاً مركزا) حسب تعبير أرنست فيشر .. عندها ترفض القصة القصيرة العيش في متحف الكلمات المستهلكة نازحة إلى فضاء ما بعد الكلمات ، وهي تستقل منطاد الحلم ، ومركبة الخيال وهي من ذهب الرقيحة الصافية ، لتقرأ عندها بمتعة ولذة – تسعى الإنسانية جميعها إليها كما يرى فيلسوف الجمال جورج سانتيانا :
( قلب الكتاب على ظهره ، رمى نظرة خاطفة إلى المرأة ، كانت كتلة من سواد ، بلا ملامح) – ص26 .
. القصص في " عزيف الرمل" عزف ممتع ومضن في الآن ..!!
وأصابع القاص لها كل هذه المهارة في صنع أوركسترا من الاستعارات وهو يلهو بها منتشياً مطمئناً ،غير آبه بوصايا ميلان كونديرا بـ( عدم اللهو بالاستعارات) ، إذ لا برزخ مشاغب بين القصة القصيرة والقصيدة ، حيث يتماهى الفنان الكونيان ، في صخب إيقاعاتهما ، وهما يمثلان أدب ما بعد الحداثي ، فضاؤهما التعبيري بعد الكلمات ، وبعد الخيال ، و إنموذج لبلاغة البلاغة ، وكأن الكاتب يستلف قريحة آرتور رامبو ، وهو يصرخ مبشراً بزمن لغة كونية آت لا محالة :
( عيناها السوداوان ، كانت القصيدة التي تضيء عتمة حياتها) – ص32.
. بفعل الحنان ، وهو بأبجدية من ذهب الوقت ، ينهال وابل مداهم من الشفافية ، يلون حروف الكلمات ، ويمغنط إيقاعاتها ، تصبح القصة أرق من نبض الحلم ، وبهيبة جرح طازج ، حالة بنفسجية الإيقاع ، ترواح بين أنين الروح الظامئة ، وفاكهة جسد متشظ ، بفعل عاطفة الحنان الذي يمارسه أبطال الكاتب عبد الحميد الغرباوي بسهولة ، ورقة ، وحضور طاغ ، هو في أجندة أيامهم الفضاء الألطف والأيسر ، يصبرون على احتراق القبلة ، وجمر العناق ، ولا يصبرون على قسوة أو جفوة أو خيانة .. الحنان عنوانهم الدائم ، وهم يبدون بدونه أطفالاً اغتصبت براءتهم ، وهم يصنعون أراجيح البهجة .. والحلم .. والنضوج :
( تقترب منه أكثر .. وتترك رأسها يحط وديعا على كتفه .. فيغلبها النعاس) – ص39.
. " الأدب كيمياء وميكانيك" – تين TEIN..!!
والقاص عبد الحميد الغرباوي شديد المهارة والدقة في تقنيته ، وهو يؤسس في سرده أسلوبا خاصا به ، حيث تبدو مفردات القصة طيعة ودود ، كأنها ملك له وحده ، تفيض مشاعر لا حصر لها ، وإثارة وهي ملح العمل السردي .. تجري على أصابعه كمياه نهر فتي ، مزهو بشغب أمواجه ، لتبدو القصة ( تشبه سطح الماء ، وإن بإمكانك أن تغرف منه الكمية التي تريدها) – حسب تعبير أروندهاتي روي .. كأن مفردات القصة في سباق أيضا، لترتب ، وتشكل ، وتجمل العالم لتمتلكه ، أو تعبث بقلبه لتغضبه ، وتفوز القصة – القصيدة بعمر أطول ، مرهون لكل تفاصيل كوننا الجميل حتى الرعب :
( كان يحتضر ، ولم يكن يضيء الغرفة سوى شمعة واحدة ، وضعت إلى جانب رأسه ، ولحظة خروج روحه ، انطفأت فجأة ، كما لو أن نورها كان الروح التي خرجت منه وإلى الأبد) – ص42.
. " عزيف الرمل" شغب كلمات ضروري !!
والكلمات هي كل مانملك – كما يقول صموئيل بيكيت ، هي الوعاء النقي لفاكهة الفكر ، وورود الخيال .. الخيال – الواقع ، والحقيقة – الحلم .. وفي ( عزيف الرمل) تبدو الأحلام تتبارى على أصابع الكاتب ، وتتفجر في تربة قريحته ، وتتهم أصابعه بخمر التأجيل ، حين تتزاحم طيور الرؤى على بوابة ذاكرته التي بفعل سحر الكلمات ، لا تعرف الوصول إليها أفعى النسيان :
( برأيك أنت ماذا يمكن أن تكون تلك الكلمات ؟) – ص50.
والكلمات في قصص – الغرباوي أسئلة وأجوبة في الآن !!
مهمتها تحريك المياه الراكدة في الذاكرة التي تعاني من قلق غزو مداهم لجيوش النسيان ! والكاتب والكلمات كلاهما يبحث عن الآخر .. وكلاهما يشتاق للآخر .. ولا تكتمل دورة الزمن السردي إلا بهمسهما معاً .. وكلاهما يحاربان بأسلحة لا مرئية كل ما هو رديء ، ولا يذكر بالحياة .. والحب .. والطفولة .. والحرية .. والحنان .. والفرح !!







 ISBN: 978-977-786-00-00
السعر 20 جنية
ملف ضريبي 548-008-274

إرسال تعليق

أحدث أقدم