البعد العجائبي في مجموعة " ظلال الهمس" للدكتور شريف عابدين ( مصر)
تميزت مجموعة" ظلال الهمس" للقاص المصري الدكتور شريف عابدين على مستوى البناء بثراء كبير، وبنفس روائي متميز، واشتغال على متناصات عديدة، جعلت منها تتخذ صورة قصص كونية تحفر في عمق النفس الانسانية، بالكشف عن ذائقتها، وعن آلامها وأمالها. فمن نص لأخر يبرز اشتغال ذكي وفق مسارات متعددة، تفتح أفاق النصوص على تأويلات متعددة، بأبعاد انسانية محضة..
لعل المثير في المجموعة وربما الجديد أيضا، هو ذلك التكسير للخط الزمني للأحداث في بعض النصوص، حيث يتمطط الزمن أو يتم اختزاله وفق منظور الشخوص بين سفر سريع نحو الماضي، ومكابدة مريرة مع زمن واقعي لا يخلو من الرتابة والبطء، يحول ساعة زمن وبضع دقائق إلى زمن سرمدي ثقيل، مملل، ومليء بالكثير من الاحداث. وذلك بدخول عالم عجائبي تمتزج الكثير من لحظاته بالواقع، ما يخلق تدفق سلس للأحداث. بين تأويل لمحكيات الواقع، وفظاعته، واستلذاذ بلحظات سريعة يتناص المحكي الواقعي مع حقبة من زمن ولى. بالانفتاح على التاريخ، وعلم النفس، وعلى الأنثروبولوجيا وهو ما يخول لهذه المجموعة أن تنال باستحقاق عبورها الكبير نحو عالم الادب العالمي، منظورا ورؤية واشتغالا.. فالقارئ لا محالة سيستمتع بأنفاسها المسهبة، وسرداها اللاهثين في البحث عن سراب في النهاية.
إنها مجموعة بنهايات موجعة دائما تبرز قلق كاتبها، ورغبته الحثية في سبر أغور نفيسة شخوص تعاني بقوة ليضعها على سرير التشريح النفسي، يجس أسقامها، مكشفا عن همومها التي وإن ظلت شخصية فهي مجرد بقعة زيت كاشفة لأسقام المجتمع الخفية. ليتحول المذاق الشهي للصبار إلى لسع بأشواكه الرفيعة التي تخز روح القارئ وتشده بقوة، تحثه على قراءة نصوص بأنفاس طويلة أبرزت مقدرة المبدع المتعدد الدكتور شريف عابدين على الكتابة في أكثر من جنس أدبي وبتطعيم أعماله بأريج كتابة لا تسالم أبدا، ولاتهادن مطلقا بقدر ما تعري عن أوجاع فئات عريضة من المجتمع المصري بمختلف انتماءاته الاجتماعية، والثقافية، والسياسية.. نصوص تحفر في أعماق حيوات متجاورة، بتطلعاتها وانكساراتها، وأمزجتها المختلفة. كتابة حولت الجسد موضوعا والرغبة أداة ابداعية، واللغة الشفافة وسيلة للبوح عما يمور في اعماق بلغت درجة عالية من القهر والانسحاق.
حميد ركاطة
المغرب.