مذكراتي مع أنثي الجان - رواية - إيمان حمدي

 مذكراتي مع أنثي الجان 

رواية 

إيمان حمدي


(مذكراتي مع أنثى الجان)
تن- نـ.....تن- ننـ..........تن- نـ............. الساعة الآن الثالثة كما تقول العقارب..!
ما عدت أسمع من الأصوات..سوى صوتٍ واحدٍ..
صوت أنفاسي..!
نفسٌ داخل.. ونفس خارج..
وما عدت أرى من الألوان سوى لونٍ واحدٍ..
اللون الأبيض..!
ثوبٌ أبيض..سقفٌ أبيض.. بلاطٌ أبيض..طلاءٌ أبيض.. فِراشٌ أبيض..
أنا لست في الجنة حتمًا.. لكني في مكان ملعون لو أسميته لأسميته "الجحيم الأبيض"..!
وأنا الآن في إحدى غرف هذا الجحيم!
شئ ينبئني أنها الثالثة صباحًا أستطيع أن أشعر بأنفاس الليل حولي..
ففي ساعة مثل تلك حدث أول موعد لقائي
بها!..
بهم!..
بالجحيم..!
لا أدري فدومًا كنت لا أدري؟!. ومازلت لا أدري.. وأعلم أني لوعشت عمرًا فوق عمري فلن أعرف أكثر مما عرفت إن كنت بالفعل قد عرفت شيئا..!.. ولن أفهم أكثر مما فهمت.. إن كنت أيضا قد فهمت شيئًا..
فما زلت أذكر مقولتها:
- الأسرار لازم تفضل أسرار يا عليّ!
ومن السخرية أني لم أهتم يومًا أن أعرف.. حتى بعد أن قابلتها.. لم يفرق معي كثيرًا أن أفهم الغموض واللعنة اللذين يحوطان بحياتها ولم أعترض على انتقال جزء منهما إلى حياتي فكل الأمور كانت بالنسبة لي سيااااان..
أتذكر ذلك اللقاء بدقة شديدة.. وكيف أنسى..؟!
كنت هناك ساعتها.. أسير ككائن ليلي في شوارع قريتي عائدًا للمنزل بعد جلسة اعتيادية مع مجموعة من أصدقائي.. كان عقلي ساقطًا في بؤرة اللاشئ..
أنفث بخارًا باردًا.. واستمع مجبرًا لسيمفونية الليل تعزف من حولي..
فارس الريح حاملٌ كرباجه.. يعذب أرواح الجدران.. فتتلو ليرحمها سفرًا من الأنات...
والحشرات كانت أيضًا تغني.. فبالليل فقط تستطيع أن تسمع غناءها.
وكنت وسط كل ذلك أسير كرجل ميت حيث..
لا حلم..!
لا أمل..!
لا طموح..!
لا شئ سوى اللاشئ فقد كنت دربت نفسي في تلك الفترة ألا أفعل لأني كنت أخاف أن يخيب أملي وأسقط في مدى أحزاني التي تخلصت منها بصعوبة أو ربما لم أكن تخلصت منها وكنت أتظاهر أني بخير حتى أرضي عيون من حولي..هؤلاء الذين يرونني فتى محظوظًا إلى حد بعيد فأنا مازلت في بداية شبابي طالبًا متفوقًا بكلية الصيدلة ووحيدًا لأب يعمل منذ سنوات طويلة في الخليج لذا باختصار فأنا أمثل لهم الشباب والتفوق والثراء فلمَ لا أكون بعد كل ذلك محظوظًا؟ بل ووافر الحظ أيضًا، لكنهم نسوا شيئًا مهمًا أني فقدت كل شخص في حياتي من الممكن أن يقاسمني هذا الحظ الذي يدعونه!
لم يكن يهمني وقتها أن أكون سعيدًا أوأسير في طريق السعادة؛ فالسعادة كانت بالنسبة لي بعد كل ما رأيته في حياتي حلمًا..! وحلمًا بعيدًا..! حتى إني كفرت بوجودها.. وظننت أن كثيرًا ممن حولي هم أيضًا بصورة أو أخرى كافرون بوجودها.. لكنهم يتظاهرون مثلي لكي يُرضوا غيرهم.. فأنا أتظاهر لأرضيهم وهم يتظاهرون ليرضوني ويرضوا غيري والذبن يروننا يتظاهرون ليرضونا...!
كنت أخطو الخطوات.. لا أعلم كم خطوت؟ ولا كم علي ّ أن أخطو حتى أصل للمنزل..
فقط أسير وسط ظلام الشوارع مهتديًا بأنوار صفراء باهتة حبيسة مصابيح معلقة على طول الطريق..
مصباح مهشم..
وآخر معطل..
ومصباح به سلك يتوهج، حوله حشرات صغيرة.. وبعض فراشات خرقاء تلعب في شهوة حمقاء مع سطحه (لعبة الحياة)..!
تقترب فتحرقها الحرارة.. فتسقط كضعاف الناس في الدنيا، أوتعود للبرد فيقرصها فتعود للحرارة تدفئها أو تقتلها....
حتى الحشرات لا تفرط في الحياة..!
هناك كان يحدث دائمًا.. عندما أمر أسفل تلك اللمبة الصفراء الكبيرة الموجودة بالقرب من منزلنا، ينقطع الإشعاع عنها.. مررت أسفلها كعادتي متعمدًا وعددت..
واحد..
اثنان..
ثلاثة..
لكن؛ لم يحدث شئٌ..لم يرتعش فيها الضوء..لم تنطفئ..!
تململت من وقوفي أسفلها دون جدوى.. أمرت قدمي بالسير فتبعتها الأخرى..عزوت الأمر للصدفة..تابع عقلي فيض المنطق لم تكن تنطفئ من أجلي.. السبب شحنات السلك الأصفر تتكاسل في خطاها فينقطع الضوء مجبرًا..
خطوت خطوة.. بل خطوتين.. فانطفأت.. نعم انطفأت..!
نظرت للمبة لم تؤلمني عيني.. فانفرجت شفتاي شامتًا في المنطق مرجعًا الأمر إلى الصدفة!
لقد كانت تنطفئ شعلتها من أجلي.. لكن على امتداد نظري وجدت أن كل اللمبات انطفأت.. فانفرجت شفتاي ثانية.. رادًا للمنطق اعتباره.. فلم تنطفئ اللمبة من أجلي بل انقطع التيار عن القرية بأكملها كعادته في ليالي الشتاء.. فالشتاء وانتظام التيار في قريتي ضدان لا يتفقان.
سرت ولا أعلم.. ما مصير تلك الحشرات الصغار؟!
وبداخلي أمنية

السعر 75 جنية
ISBN: 978-977-786-047-5

إرسال تعليق

أحدث أقدم