فديتك بحياتي
رواية
منى ميلانصدر حديثًا
فديتك بحياتي
د. منى ميلان
وقفت برهة على عتبة باب المستشفى وتسألت:
أحقًا سألقاه مُمَدّدًا على فراش الموت ؟ و من ثم تشجَّعت
متعلقة بالأمل الأخير: أن تكون تلقت النبأ دون استيعاب وأن
يكون ثمةَ خطأ ما.
خطت بأقدامها العارية خطوات مجردة داخل صالة الاستقبال،
تسللت إلى عروقها صاعقة رعد ارتجف منها قلبها، بدا
المكان باردًا وقارسًا، وكل شئ فيه متجمد وصامت، الصالة
منثورة ببودرة التنك.
حتمًا نسوا باب المشرحة مفتوحًا على مصرعيه، فامتلأ
مدخل الاستقبال برائحة اللحوم المجمَّدة الفاسدة بطعم
الأموات .
وإذ بريح جارفة تزحف نحوها وهي ما زالت في سدت
صالة استقبال الموت تلحف وجهها ، ريحٌ عاتية آتيةٌ من
أروقة العنابر ،تحمل أنفاسًا محبوسة
وأصداء أرواحٍ مهزومة و ملحومة، تئن وتعن، ورذات
دموع وحنينًا ،مزجًا من نسايم الحياه وكتم الموت .
خليطٌ من أكسجين الأمل ومورفين الصبر وبعضًا من
نقط سم الثعابين.
سارعت مهرولةً نحو مكتب الاستقبال الذي كان يقع مباشرة
في وجه الباب. وها هي موظفة الاستقبال تستقبلها بابتسامة
مصطنعة وتطالعها باستغراب متسائلة إذا ما كانت ثناء قد
حلَّت من خارج المستشفى أم عساها هبطت من أحد
العنابر، فهيأتها وهي بالبيجاما حافية توحي بالشرود
والضياع لا بد أنها مريضة ضلَّت غرفتها تحت تأثيرالعقاقير
والتخدير. حاولت ثناء استجماع قوتها العقلية والإدراكية
وحدَّقت بالموظفة،ولكنها رأتها بومة: عيناها غائرتان حادتان
سوداء اللون والمحيط ،أنفها معكوفٌ للأسفل حتى لا تكاد ترى منه
شفتيها،ووجهها مقصومٌ إلى دائرتين متساويتين، شعرها كثيفٌ
أسود مزرق، مفروق من منتصفه بدأً من أعلى جبينها،
مسدولاً على كلا جنبٍي كتفيها، ملمومًا من كلا
الطرفين كستائر درابية عتيقة بالية ممزقة الأطراف
منتفة في بيت أشباح مهجور .
لمحت أسفل كتفها الأيسر، فوق صدرها شارة
مكتوبٌ عليها: حسنات ! قرأت ثناء الاسم في سرها وتساءلت:
كيف لمثل هذه البومة أن تدعى حسنات !! ومن يحظى إذًا
بلقب حسرات أو جمرات أو سيئات ؟!
تلك الموظفة الشابة التي لم تكن لتتعدى أوائل الثلاثينات من
العمر، قسمات وجهها الحادة كانت تنمُّ عن عجوزٍ
شريرة مقززة تنبعث منها رائحة نتنة لم يبقَ في ثناياها
سوى عفانة الزمان. فقدت حِسَّ الشباب المرهف الناعم
الرقيق من شدةِ ما أصابت الناس باخبار السوء المفجعة فأنزلت
ISBN:978-977-786-274-5
التسميات :
الإصدارات الجديدة