صبريانا - رواية فضيلة مسعى


صبريانا
رواية فضيلة مسعى
قراءة نقدية
الناقد د. محمود خليف خضير الحياني

الموصل / العراق

أصدارات دار غراب للنشر والتوزيع


يوتوبيا الواقع وايديولوجيا الخيال
تنتهج رواية ( صبريانا ) أو ( صبري-أنا) منحى جديدا للرّواية العربية الحداثية في لغتها وحبكتها ومزاوجتها بين المعيش اليومي والخيال المجنّح في العجائبي والسّوريالي .هي رواية حلم الحلم ،انطلقت من اطار جامد لتستوعب واقعا جغرا-انساني واسع ،بتعدّد أماكنه
وتعدّد قصصه وتعدّد شخوصه وتعدّد مواضيعه وتنوّعها.
نقطة الاهتمام في الرّوائية طرافتها في تحريك وتوظيف الشّخصيات.إذ أن ّالشّخصية الرّئيسية الحقيقية والمحرّكة للأحداث لم تظهر إلاّ في أربعة أو خمسة سطور مقسّمة بين البداية والنّهاية.شخصية راوية الخزرجي تفتح أحداث الرّواية ثم تغيب ولا تظهر إلّا لتختمها. تخلّت ظاهريا عن دورها لفائدة شخصية بالنّيابة عنها( صبريبانا) أو( صبري-أنا) ترأّست الأحداث. راوية الخزرجي هي الشّخصية الرئيسية المستترة..أمّا صبريانا فهي الشّخصية المتصدّرة لدور البطولة في الرّواية.
طرحت الرّواية منظورا جديدا للعلاقة المتوتّرة بين المثقّف والسّلطة، ولاسيما إذا كانت هذه السّلطة غاشمة وامبريالية تمثّل حضارة تدّعي أنّها جاءت لخير البشرية.فأمثولة الحضارة الغربية التي تجرّدت من معانيها السّامية والأخلاقية والإنسانية يمكن أنّ نتعامل معها في هذا النصّ السّردي .لا مسافة بين الواقع والفنتازيا التي تمظهرت في حبكة وأحداث هذه الرّواية. كشف النّص عن مأساة انسانية عاشها الشّعب العراقي تحت الاحتلال الأمريكي .
نستطع أن نسمّي هذه الرّواية،رواية حبّ وسلام. من أوّل سطر رفعت شعار السّلم الاجتماعي والحب ّ..النصّ دعوة للتّعايش الجميل..دعوة لنبذ الفرقة وإحياء انسانية الإنسان دعوة لبعث العراق الذي يسوده الحب وتسوده الطمأنينة.فتقنية الإطار أو ما يسمّى قصّة داخل قصة جمعتها الرّوائية بطريقة سوريالية.نلمس تحكّما بفنتازيا سلطة الضّوء على معاناة عاشتها الشّخصية الرّئيسية المتصدّرة للأحداث
( صبريانا ) بالنّيابة عن راوية الخزرجي.النصّ مراوحة ما بين الحلم وأحلام اليقظة،و ما بين الذّاكرة والحاضر المأساوي.فكل مشهد وحدث في هذه الرّواية يقدّم لنا رؤية جديدة لوجه آخر من الحياة الواقعية التي كان وما يزال يعيشها الشعب العراقي.كلّ أحلام صبريانا كانت تتبلور حول ناظم الذي تركها ومات وما كان يريد منها،وما كانت تريد منه.فلحظة اليأس التي عاشتها هذه المرأة وهي ترى تحولات كبيرة وغريبة وعجائبية تمرّ بالعراق.تحوّلات كان لها الأثر الكبير في انعطافها نحو البحث عن أمل أو طوق نجاة يجنّبها المشاكل التي وجدت نفسها محاطة بها.كل أحداث الرّواية تسير في مسار المنولوج الدّاخلي وحلمها وأحلام يقظتها .
لوحة المرأة القارئة هي في الأصل ذات ساردة لحدث أصلي ومعاناة مرّت بها كل امرأة عراقية وعربية.فكل معاني الانسانية المتناقضة يمكن أن نجدها شاخصة في فعل الشخصيات وردة فعلها.الفضاء الرّوائي عبارة عن سفينة العراق التي كان قبطانها أجنبيّ محتلّ.حاول هذا القبطان أن يروّض الشّعب العراقي ويستعبد الانسان العربيّ عن طريق زرع الفتنة الطّائفية ، والعرقية.أن يرقص على ايقاع الاقتتال الدّاخلي بين أطياف شعب مثّل فسيفساء خارطة الوطن العربي.فشخصية صبريانا تجسّد صبر كلّ عراقيّ وعربيّ على واقعه المرير.فتهجين هذا الشّخصية بين جينات عراقية،وتونسية هو تعبير عن اللّحمة العربية والصّبر العربيّ الواحد . حيث تمسكت صبريانا بأرض العراق ولم تهاجر إلاّ في اللّحظة الأخيرة كما تمسّكت بعروبة تونس بعروبة العراق.فالمعاني السياسية وخيوط اللّعبة الماكرة للسياسة الأمريكية التي جرّدتها هذه الرواية من قشرتها وصورتها الجميلة كاشفة عن زيف وجوهر الحقيقة البشعة التي كانت تتقنع بها السّياسية الأمريكي .فالنصّ السّردي لهذه الرّواية لم يشوّه الواقع لكي يقيم بدلا عنه يوتوبيا الخيال.يوتوبيا عكست الواقع على طريقة المحاكاة الأرسطية،فكان الواقع مشوّه بالأصل .ففنتازيا الواقع العراقي وبجميع متناقضاته يبعث على السّخرية.القاتل لا يعلم لما قَتل والمقتول لا يعلم لما قُتل.كلّ الشّخصيات في هذه الرّواية تحاول أن تعيش حلمها وأملها بالغد على طريقتها.فشخصية جوري عاشت الحياة بوصفها جنسا ومتعة، وشخصية عماد كانت مترددة بين حبّ عذري تجاه صبريانا،وحب ايروسي تجاه جوري التي كانت تتأرجح ما بين الوفاء والخيانة.أمّا هامشية زيدون ونمطية حياته فقد كانت بمثابة روتين لحياة مملّة يعيشها أكثر الشّعب العراقي.ومن المفارقات الدّرامية العجيبة التي تبلورت في هذه الرّواية مفهوم الشكّ الجيني.فأبناء صبريانا كلّهم لا يرتبطون بحبل سرّي وجيني واحد،فكلها جينات معدّلة اجتماعيا ،أو مهجّنة بيولوجيا بين التّلقيح والتبنّي .
ولاشك أن بطلتنا اللّوحة القارئة التي كانت تحاول بذاتها السّردية أن تنهي روايتها لصبريانا في كلّ مرّة، قد نجحت أخيرا في انهاء روايتها.فكانت ضريبة الختام أن تهاجر صبريانا خارج العراق،فالنصّ الرّوائي قدّم لنا بدوره خاتمة أخرى في تقنية الاطار ارتبط بفتاة كانت تحلم حلم يقظة مثل راوية،فقد كان اسمها رواية الخزرجي.راوية التي ظنّت أمّها أنها كانت تعاني من انفصام بالشّخصية.على خلاف أمّها لم ير الطّبيب أنّها مريضة،إنّما مبدعة تحلّق في سماء خيالها باحثة عن الحقيقة الجمالية المطلقة للأشياء .
فالرّواية بكلّ ما تحمله من خيال وأسلوب جميل،وتقنيات الفلاش بك،وأحلام اليقظة وتقنية الاطار تستحقّ أن تكون نجمة مضيئة،وساطعة في سماء الإبداع العربي . كنت في بداية الأمر عند قراءتي لهذه الرّواية ... أتصوّر أنّي سوف أقرأها بملل أو كسل ولكن عندما أغرتني اللّغة ، وأغراني الأسلوب والمزج بين تقنية الفنتازيا، والسوريالية من جهة والمعاني الانسانية التي انصهرت في أحداث الرّواية من جهة ثانية،أُخذت كقارئ بسحرها . وجدت نفسي أغرق في بحر لغتها. أبحث عن صدفة وجوهر النّهاية التي لم تكن نهاية للرّواية،إنّما هي نهاية لكلّ بلد عربيّ.هي صورة لواقع الشّخصية العربية ما بين الحياة،والموت،أو العزلة،والهجرة .
الناقد د. محمود خليف خضير الحياني
الموصل / العراق






ISBN : 978-977-786-146-5

السعر 85 جنية



 

إرسال تعليق

أحدث أقدم