فيرماخت - هتلر يعود - رواية عمرو البدالي








فيرماخت

هتلر يعود

رواية 

د. عمرو البدالي

"الأمان مجرد هراء"

تعليق كتبته إيفا بروان على إحدى لوحاتها، فكانت خيطًا للبحث عن شيء أكبر وأعمق من كونه المعنى المعرف للمفردة بالضد، كما في قوله تعالى: "وءامنهم من خوف"
فهل صدَّقت الجملة حدس البحث بدءًا أو يقينه انتهاءً؟!
سألني ولدي يومًا وهو لم يبلغ السادسة بعد، والحزن غالب على وجهه الغض إثر حكاية لصديقته الفلسطينية، قائلًا:
- ما الذي يستفيده هؤلاء اليهود الأشرار من حرمان الفلسطينيين من العيش في بلادهم، لماذا يقتلونهم ويستولون على بلادهم، لماذا يحتلون القدس؟
كانت انفعالاته سريعة كأسئلته، أجبته حينها بكلمة مختصرة استعرتها من سؤاله:
= لأنهم كما قلت أشرار، والأشرار لا يهتمون لأحد، فقط لأطماعهم وما يريدون.
فهل كانت إجابتي وقتها كافية؟
مرت أعوام وسألني ابني سؤالًا آخر:
أمي: لمن ننتمي؟
قلت: للجنة
قال: وطبعا لن ندخلها إلا بعد أن نموت.
قلت: طبعًا
قال: إذن لماذا لم ندخلها منذ البدء وبقينا فيها؟
قلت: للجنة ثمن لابد أن يُدفع حتى تحظى بها؛ فهي ليست لكل أحد، فأبونا آدم وأمنا حواء كانا فيها بدءًا، لكنهما لم يَفِيَا الثمن الذي طلبه منهما ربهما.
قال: وما هو الثمن؟
قلت: ألا يقربا شجرة بعينها، نهاهما عنها ربهما، لكن الشيطان وسوس لهما، فخالفا أمر ربهما وأكلا منها.
قال: الشيطان هو الذي وسوس لهما، فما ذنبهما؟
قلت: أنهما أطاعاه، وسارا خلفه، فنسيا أمر ربهما.
قال: إذن لابد ألا ننسى أمر ربنا.
قلت: نعم، وبه ضمنتَ الجنة.
فهل بالفعل بكلماتي ضمنتها له؟
حواران مع ولدي تذكرتهما فور الانتهاء من رواية أوت في أحشائها جنينًا عجيبًا قد اجتمعت فيه كل جينات التناقضات التي تحملها النفس البشرية منذ أن خلق الله آدم وحتى قيام الساعة، فما ظنكم بأن يكون قدرك أن تلتقي به وتشاركه أعظم ما فيه وأعجب ما فيه وأقسى ما فيه، وفي ذروة هذا كله لا تجد اسمًا تسميه به حين ولادة على راحتي روحك غير "الجنون"؟
في هذا العمل تحديدًا دعوني أقولها:
على شفا جرف الجنون نصرخ ونضحك ونهذي ونرتعد.
فيرماخت "هتلر يعود":
عنوان كُتب بدم ضحايا لا ذنب لهم إلا أنهم وقعوا تحت وطأة عاهات سلوكية ومشاعر مختلة على خلفية صفراء يتصدرها هتلر بوجهه المنذر وكأنه نصَّـب نفسه إلهًا على كل منصب عليه ولسان حاله: "إنا أنذرناكم عذابا قريبا"
رغم انتشار الخراب حوله ومن صنعة يده، غير أنه ضئيل مقارنة بحجم صورة الزعيم الذي قرر أن "يعــود" قاطعًا أي سبيل للنفي أو الشكوك، دماره كثيف ومتداخل أمام نظرة لا تحمل سوى تعبيرٍ واحدٍ هو الكره، الكره المطرد وفقط.
الفكرة/ التيمة:
ما رأيكم في اختلاس لحظات الجنون من عمر الدمار وأقول لكم تعالوا نمارس الرقص تحت زخات الرصاص؟
ما رأيكَ بأن أقول لك أحبك، ثم أضغط على زناد مسدسي وأقتلك؟
ما رأيكِ بأن أودعكِ يقينًا بروحي المسلمة ذات البنيان الفلسطيني المقدس أميرة حلمٍ ألتقيكِ على سنامه وأنت اليهودية المستبيحة دمي والمستباح دمها في برلين، ثم أستفيق على همسكِ ورسمكِ وقدكِ وذراعيكِ ووجودكِ الحق رغم عجائبية كل شيء ومحاله في مطاردة أمنية؟
ما رأيكَ أن تعجز عن أن تصنف رواية أدبيــة تركت فيك آثــارًا من جنون؟! مجنونة أم مجنون صاحبها، فلا بأس؛ انطقها بلا وجل، ودع لسانك يكررها؛ فهما يستحقان وبجدارة، أوليست أعظم المتع ما باركتها تعاويذ الجنون التي ما خطرت يومًا على قلب راشد؟
مزيج عجيب من التاريخ والجريمة والرومانسية، وبعد كل ذلك في الظلال أدب نصح طيب مذاقه للناشئين.
الحبكة:
ماكرة، خدّاعة تظنها للوهلة الأولى عقدة واحدة تتصاعد بسهولة، فإذا بها متشابكة وملتفة، تتمدد بشكل أفقي مخلقة عقدة تلو أخرى تلو أخرى، يوهمك بأن حل الواحدة منهن قد كشف لغز البقية، فإذا بالحل لغز في حد ذاته.
أمسك الكاتب خيوط حبكته بقبضة من دهاء، وأثار داخل القارئ كثيرا من حنق يغلف الشغف ثم الشغف ثم الشغف.
وبرز جليًّا سياقة الكاتب للأدلة في حل كل عقدة، وفي تنقله من حيلة درامية لأخرى على مدار السرد الروائي، فأحيانًا ما كنت أنظر إليها بعين كاتب يحاوط عمله من كل اتجاه مخافة عليه قاطعًا دابر كل مشاركة تشكيكية من قبل القارئ تجاه خطه الدرامي من المقدمة وحتى التتمة، وأحيانًا ما كنت أراها بعين قارئ متأفف قد حجر على خياله أن يسترسل بشيء من عنده وأن الأنا العليا للكاتب قد فرضت نفسها فلا أحد يشاركه نسيجه ولو بالتخيل، رغم حدوث التوحد الكلي والانخراط في شباك العمل.
السرد والحوار:
سنَّ سيد قطب قلمه في كتاب النقد الأدبي حين قال:
"التاريخ لا يدخل دائرة الأدب إذا كان وصفًا مجردًا لحوادث ميِّتَةٍ، ولكنه يصبح عملًا أدبيًّا إذا انفعل المؤرخ بالحوادث وصوَّرها حية ممزوجة بالأحياء الّذين اشتركوا فيها كما لو كان يكتب قصة كائن حي لا قصة حادثة"
في رأيي، أن هذه المقولة بمثابة الصكّ المُوجِز لأي عمل تاريخي منضبط في جوانبه الثلاث (المادة التاريخية، الصياغة الروائية، الخيال)
وأبرع ما في هذا العمل من الناحية الفنية هو انصهار المادة التاريخية في القالب الروائي بدراما عالية الجذب من خلال سرد سلس، الإثارة روح حرفه، والاسترسال نهج صفحاته بعيدًا عن الخبرية أو التقريرية، اللهم إلا في موضعين فقط على مدار العمل كاملًا، حيث تم نقلهما كما هما من موقع ويكيبيديا.
ومن ثم نجد أن الكاتب اعتمد على التناوب السردي كَسَمْتٍ عام، أحدث توازنًا بين السرد والحوار لم يغلب أحدهما على الآخر، بل كل جاء في مكانه المنضبط مؤديًا مهمته بنجاح.
وأما الحوار فكان معبرًا بشكل قوي عن النفس البشرية واختلاجاتها، أجلى الشخوص ودوافعهم الشعورية دون تورية أو خجل، بل المكاشفة الصريحة والصريحة جدا حول كل ما انتابهم من (حب، كره، حقد، خوف، ترقب، خنوع وشجاعة)
الرواة:
(راوي العليم/ راوي متكلم)
في مقدمة العمل والتي هي مقطع من داخل العمل ذاته اعتمد الكاتب على الراوي العليم، وبمجرد البدء في رحلة القراءة سيتسلمك الراوي المتكلم، وينحسر دور الأول ويضمحل إلا في ومضات سريعة كأنها البرق يخطف الأبصار تارة، أو الشهب تحرق أخرى، أو الرعد يوقظك من حلو هذيان يمتعك فتستفيق على أشلاء ودماء.
السارد البطل هو "ياسين الزيداني"، وبمجرد الوصول إلى الخاتمة، ستجد نفسك عدت إلى الراوي العليم عند مكان اسمه "بحر الظلمات" تلك التي اختارها الكاتب ليضع جنونه أوزاره بالفناء دون خيار آخر.
اللغة:
على ما يبدو أن الكاتب كتب العمل على إيقاع موسيقى "فاجنر" التي تسيدت ذائقة شخوص عمله استمتاعًا وعزفًا، ومن ثم فإن اللغة سُيرت مناسبة لطبيعة العمل سريعة الإيقاع، قصيرة الجمل في تعبير موحي، فيها من الفطرة والبساطة الكثير، لا تحتوي على عتبات لغوية مركبة، حافظ الكاتب على سمتها من أول العمل حتى منتهاه، لم يصعد بتعقيد ولم يهبط لما هو أبسط، ومع ذلك لها صوت عالٍ تسمع صداه داخل كونك الواسع الذي سقط فيه خلال مدة القراءة.
قيامة الرواية:
تناوب السرد على مكانين وزمانين معلومي الهوية هما :
1-قرية دير ياسين- فلسطين- الثامن من نيسان 194.
2-برلين الغربية - العاشر من نيسان 1948.
ومع ذلك تطور الأحداث وتشابكها كان يفرض تنقلا إلى أطراف أخرى مترامية على حدود كل منهما، وربما ما هو أبعـد وأغــرب أحيانًا؛ فالجرائم لا خرائط تلزمها، والتاريخ يسرده المتناثرون، والحـب لا يعترف بماهية الحدود؛ فما بين الغمض واليقظة يُتنبأ بأقدار وتتماهى أرواح، ويرفع الطامحون صولجانات الظفر المنتظر .
النهاية:
حُلَّ اللغز وتباينت المفاهيم، وأجليت المعتقدات..
وهنا أعود لسؤاليّ ابني، لماذا كتب علينا الابتلاء في الأرض، وما هو ثمن الجنة، ولماذ اليهود أشرار؟
كلٌّ منا بداخله هتلر، يمتلك من مقومات الضغينة حين رفض له، حين سخرية منه، حين فقد، حين حين حين، ما تكون كفيلة بتحريضه على حرق كل ما يطاله، لكن لماذا نمتنع عن الإحراق والأذى؟
الجواب لأننا نمتلك "عقيدة" دين تكفل بتسيير كل ما يمكن أن نلاقيه من هزائم نفسية أو شرور دنيوية أو حتى عدوان جسدي، هذا في مطلق الإيذاء، فما بالك لو كان الإيذاء من أجل "مقدس" هو من أصل عقيدتك، وهو وطنك وعرضك وأهلك، وبدونه لا قيامة لك في هذه الدنيا، ولا فرق بينك وبين من كرمك الله عليهم "الدواب"؟
الرسالة والأثر الكلي:
جاءت في طيات العمل كأدب نصح عالي المقام، عظيم المقصد، يُتلمس في الظلال ولا ينقطع له أثر، إلهامًا كما قلت للناشئين من أبنائنا وبناتنا ولنا نحن خاصة في هذه الفترة العجيبة من ميوعة التطبيع مع الكيان الصهيوني، والتي لم تعد مصالح استراتيجية وفروض سياسية تتخذها الدول حجة لخنوعها أم شعوبها، فالمفجع حقًّا هو الشعوب ذاتها، ما بالها قبلت الدنية في دينها، واشترت الكلم بثمن بخس!
تصريحات متناثرة تُسود وجه العروبة وتضرب أصول المعتقد، لكن اليقين يبقى زاد كل مجاهد؛ فمهما مُوهت الأفهام واختلطت، الساعي نحو الإدراك والتبصر أبدًا لن يضل طالما المقصد واضح المعالم حتى يقال له لقاء ما ربح البيع ونعم من اشترى!
ســأحمل روحــي عـلى راحـتي
وألقــي بهـا فـي مهـاوي الـردى
فإمــا حيــاة تســر الصــديق
وإمــا ممــات يغيــظ العــدى
بقلبــي ســأرمي وجــوه العـدا
فقلبــي حــديد ونــاري لظــى
وأحــمي حيــاضي بحـد الحسـام
فيعلـــم قــومي بأنــي الفتــى
أبيات هي إرث ياسين من شيخه وقائده وملهمه الشهيد عبد القادر الحسيني، وأكاد أجزم بأنها إرث كل قارئ ألهم من هذا العمل.
اعرف عدوك:
أول جملة طرقت باب تفكيري وأنا أغلق هذه الوجبة القرائية اللذيذة؛ فما كان مني إلا أن شطبت على كلمة تمت فور الانتهاء من العمل وكتبت بدلًا عنها "اعرف عدوك" وحينها ستتجلى الإجابة على السؤالات الثلاث التي أوردتها في المقدمة.
قراءة نقدية
نهلة الهبيان 





السعر 75 جنية

ISBN: 978-977-786-204-2











 

إرسال تعليق

أحدث أقدم